أهلا بك في مركز التحرير للدراسات والبحوث

تعاون مصر والصين في تصنيع لقاحات “كوفيد -19”- عادل علي

بقلم: عادل علياعلامي وباحث متخصص في الشؤون الصينية

مثّل التعاون في المجال الصحي والطبي أحد أبرز مجالات العلاقات القوية بين مصر والصين خلال الفترة الماضية، ولاسيما منذ بدء أزمة مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد -19) في بداية عام 2020 وحتى الآن. حيث تضامنت القاهرة وبكين مع بعضهما البعض في مواجهة هذه الأزمة. وتجلت أبرز ملامح ذلك في التعاون في مجال تصنيع اللقاحات بهدف مواجهة الوباء. فوفقًا لتصريحات مسئولي وزارة الصحة المصرية، من المرتقب أن تبدأ مصر بنهاية يونيو الجاري، في إنتاج لقاح “سينوفاك” الصيني، بطاقة إنتاجية مبدئية مليوني جرعة بواسطة مصانع الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات (فاكسيرا)، بوجود خبراء صينيين للإشراف على عملية التصنيع ونقل الخبرات وتكنولوجيا التصنيع.

خطوات وإجراءات مشتركة

شهد التعاون بين مصر والصين في مجال اللقاحات العديد من الصور والأشكال، وجرى في إطاره تبني وإتخاذ عدة خطوات وإجراءات إيجابية مهمة. فعلى الجانب المصري، شاركت مصر في مرحلة مبكرة في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية للقاح الذي طورته شركة سينوفارم الصينية، حيث تمت تجربته على ما يزيد عن 3 آلاف متطوع مصري من أصل 45 ألف متطوع شاركوا في التجربة، بل وخضعت وزيرة الصحة المصرية بنفسها لهذه التجارب. وفي مرحلة لاحقة، وبهدف تعزيز التعاون بين المؤسسات ذات الصلة، بشأن تطوير وإنتاج واستخدام اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وقعت مصر والصين على خطاب نوايا للتعاون في مجال اللقاحات.

ولعل الخطوة الأهم في هذا الإطار، تجسدت في توقيع اتفاقيتين بين الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات (فاكسيرا) المصرية، وشركة سينوفاك الصينية للمستحضرات الحيوية. الاتفاقية الأولى تتعلق بنقل تكنولوجيا تصنيع لقاح كوفيد -19، فيما تختص الاتفاقية الثانية بالتصنيع المحلي للقاح في مصر. كذلك، أعلنت مصر عن تعاقدها على 100 مليون جرعة من لقاحات فيروس كورونا من شركات مختلفة. من بين تلك الجرعات 40 مليون جرعة من لقاح سينوفارم الصيني، ما يجعل هذا اللقاح يمثل نحو 40% من إجمالي اللقاحات التي تعاقدت عليها مصر.

وفي بداية العام الجاري، منحت السلطات الصحية في مصر، ممثلة بهيئة الدواء المصرية، لقاح سينوفارم الصيني رخصة الاستخدام المحلي في حملة التطعيم ضد المرض التي بدأتها بالأطقم الطبية. وفي وقت سابق من أبريل 2021، أعلنت مصر أنها تستعد لإنتاج 80 مليون جرعة من لقاح تنتجه شركة سينوفاك الصينية. وفي 21 أبريل 2021، أعلنت مصر عن الاتفاق على شراء 20 مليون جرعة من اللقاح المضاد لمرض كورونا الذي تنتجه شركة سينوفارم الصينية، ويبلغ حجم الشحنة الأولى منه نحو نصف مليون جرعة.

وفي 26 أبريل 2021، منحت هيئة الدواء المصرية الترخيص الطارئ لاستخدام لقاح سينوفاك الصيني المضاد لفيروس كورونا في مصر. وفي 23 مايو الماضي، تلقت مصر الدفعة الأولى من المواد الخام (بلغ حجمها 1400 لتر) اللازمة لتصنيع لقاح سينوفاك الصيني لإنتاج أكثر من مليوني جرعة منه بنهاية شهر يوليو.

وعلى الجانب المقابل، قامت الصين بتسليم مصر عدة دفعات من شحنات اللقاح الذي طورته شركة سينوفارم الصينية كهدية للشعب المصري. الدفعة الأولى، تسلمتها في 10 ديسمبر 2020، عن طريق الإمارات وشملت 50 ألف جرعة. والدفعة الثانية، تسلمتها في 23 فبراير 2021، وشملت 300 ألف جرعة. أما الدفعة الثالثة، فقد تسلمتها في 20 مارس 2021، وقدرها 300 ألف جرعة. وأخيرًا، الدفعة الرابعة التي تسلمتها في 13 مايو 2021، وشملت 500 ألف جرعة.

وبجانب شحنات اللقاحات التي قدمتها بكين للقاهرة، فقد أبدت القيادة الصينية اهتمامًا كبيرًا إزاء تعزيز وتفعيل التعاون مع مصر في مجال اللقاحات. فخلال اتصال هاتفي بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والصيني شي جين بينغ في 22 فبراير 2021، تم التأكيد على التضامن والتعاون في مواجهة فيروس كوفيد -19. وأبدى الرئيس “شي” استعداد بلاده للعمل مع مصر لزيادة التعاون في مجال اللقاحات، وذلك في إطار علاقة الصداقة الوثيقة بين البلدين.

دوافع مصر للحصول على اللقاحات الصينية

في ضوء ما سبق، ربما يتساءل البعض عن أسباب ودوافع اتجاه مصر وتركيزها على الحصول على اللقاحات المصنعة بواسطة الشركات الصينية في إطار حملة تطعيم المواطنين المصريين ضد مرض كوفيد -19.

في حقيقة الأمر، يمكن القول إن ثمة دوافع عدة بهذا الشأن بعضها يرتبط بطبيعة تركيب اللقاح ذاته، وبعضها الآخر يرتبط بموقف المجتمع الدولي ومنظماته المتخصصة تجاه اللقاحات الصينية. فبالنسبة للجانب المرتبط بتركيب اللقاح، من الملاحظ أنه يتميز بدرجة مرتفعة من الأمان مقارنة باللقاحات الأخرى، حيث تم تصنيعه بالتقنية التقليدية في تصنيع اللقاحات، والتي ترتكز على تقنية الفيروس المعطل أو “الميت”. كما أنه يتميز أيضًا بالقدرة على تحفيز جهاز المناعة وإحداث استجابة مناعية كافية لتحقيق الوقاية، بجانب عدم وجود أي عوامل خطورة به. دافع آخر يتمثل في أن اللقاح الصيني يتسم بنسبة فعالية مرتفعة جدًا تصل إلى 86%، ويمتاز بقدرته على إنتاج الأجسام المضادة بنسبة 99%، بالإضافة إلى قدرته على منع حدوث الإصابات المتوسطة والشديدة بنسبة 100%، وذلك في حالة لقاح سينوفارم. أما لقاح سينوفاك فتصل نسبة فعاليته إلى 91%.

وبجانب ما سبق، فإن اللقاح يتميز بسهولة النقل والتخزين، وتتناسب ظروف تخزينه مع الوضع في مصر، حيث يمكن تخزينه في الثلاجات العادية في درجة حرارة من 2-8 درجات مئوية، وذلك مقارنة بلقاح “موديرنا” الذي يحتاج إلى تخزين عند درجة “-20” درجة مئوية، ولقاح فايزر عند درجة “-70” درجة مئوية. كما يمتاز اللقاح الصيني بإنخفاض تكلفة شرائه مقارنة باللقاحات الأخرى.

ومن الدوافع الأخرى المهمة وراء اهتمام مصر بالحصول على اللقاحات الصينية والترخيص بتصنيعها في مصر، الثقة الكبيرة التي حازت عليها هذه اللقاحات من قبل المجتمع الدولي، بدوله ومنظماته المتخصصة، وهي الثقة التي عكستها العديد من المظاهر والمؤشرات. فقد قامت الصين بإجراء التجارب الإكلينيكية على 17 لقاحًا لفيروس كوفيد -19، وشارك فيها أكثر من 100 ألف متطوع حول العالم، وشاركت مصر في هذه التجارب – كما سبقت الإشارة. وقامت أكثر من 60 دولة في شتى قارات العالم بترخيص الاستخدام الطارئ للقاحات الصينية، علاوة على إيلاء الحكومة الصينية اهتمامًا كبيرًا بمسألة أمان وفاعلية اللقاحات في المقام الأول طبقًا للقواعد والارشادات العلمية الخاصة بإنتاج اللقاحات، حيث تم تطعيم المواطنين في جميع أنحاء الصين بأكثر من 892.7 مليون جرعة من لقاحات كوفيد -19، ولم تظهر عليهم أي أعراض خطيرة، وفقًا لما أعلنت عنه لجنة الصحة الوطنية الصينية يوم 14 يونيو الجاري.

ومن بين الدول التي اعتمدت على اللقاحات الصينية في تطعيم مواطنيها ضد كوفيد -19، العديد من الدول العربية، ومنها الإمارات والبحرين. وتم إثبات فعالية اللقاح الصيني في الكثير من الدول العربية التي شاركت في تجاربه السريرية في المراحل المختلفة.

وفي الآونة الأخيرة، اعتمدت منظمة الصحة العالمية لقاحين تم تطويرهما بواسطة شركتين صينيتين للاستخدام في حالات الطوارئ، وهما: لقاح سينوفارم في 7 مايو الماضي، ولقاح سينوفاك في الأول من يونيو الجاري. وسمحت المنظمة بإدراج لقاح سينوفارم الصيني ضمن آلية (كوفاكس)، وهو البرنامج العالمي لتوفير اللقاحات بشكل أساسي للبلدان الفقيرة. ومن دون شك، فإن إجازة المنظمة للقاحين الصينيين يمنحهما شهادة ثقة كبيرة تؤكد وفاء اللقاحين بالمعايير الدولية المتعلقة بالأمان والفعالية والتصنيع. علاوة على كونهما لا يقلان في أهميتهما وفعاليتهما ودرجة أمانهما عن اللقاحات الأخرى التي قامت منظمة الصحة العالمية بإجازتها سابقًا.

فوائد ومكاسب مشتركة

مثلما نجح التعاون بين مصر والصين في تحقيق إنجازات مهمة في العديد من مجالات العلاقات الثنائية بين البلدين طيلة الـ 65 عامًا الماضية، فإن تعاونهما في مجال تصنيع اللقاحات المضادة لمرض كوفيد -19، سيعود بفوائد ومكاسب مشتركة عديدة على البلدين وشعبيهما.

فمن خلال اتفاقها مع الصين على الحصول على ترخيص تصنيع لقاحات كوفيد -19، ستتمكن مصر من إنتاج عشرات الملايين من جرعات اللقاح، وهو ما يزيد من قدرتها على تطعيم أكبر عدد ممكن من المواطنين ضد المرض. حيث ستقوم شركة (فاكسيرا) بإنتاج أكثر من 5 ملايين جرعة من لقاح سينوفاك في غضون شهرين، ومن المتوقع إنتاج 40 مليون جرعة من اللقاح خلال السنة الأولى. وهو الأمر الذي سيساعد مصر على التغلب على الوباء في أسرع وقت.

ليس هذا فحسب، وإنما أيضًا ستتحول مصر إلى مركز لتصدير اللقاحات إلى أفريقيا، من خلال تصدير فائض إنتاجها من اللقاحات إلى الدول الأخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا لمساعدتها في مكافحة الوباء. وتعد مصر أول دولة في القارة السمراء تتعاون مع الصين في إنتاج لقاحات كورونا.

كذلك، يمكن لمصر الاستفادة من الخبرة والتجربة الطويلة التي تمتلكها الصين في مجال بحث وتطوير وإنتاج وتسويق المستحضرات الطبية الحيوية، من أجل الوقاية من فيروس كورونا. حيث يهدف توقيع اتفاقيتي تصنيع لقاحات كوفيد -19 مع شركة سينوفاك الصينية إلى الاستفادة من المكانة الرائدة للشركة في المجال المشار إليه. هذا بجانب تبادل الخبرات لدعم إمكانات شركة (فاكسيرا) المختصة بتصنيع الأمصال واللقاحات في مصر، بما يساهم في الحد من انتشار الفيروس. علاوة على إمكانية الاستفادة بما تمتلكه الشركات الصينية من خبرات في مجال تدريب العاملين في مجال صناعة اللقاحات.

وقد ساهمت دفعات اللقاحات التي حرصت الصين على تزويد مصر بها لمواجهة جائحة فيروس كورونا في بدء تطعيم الفئات المستحقة من الأطقم الطبية والمواطنين من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة. وسوف تؤدي خطوة تصنيع اللقاحات الصينية في مصر إلى توفير احتياجاتها من اللقاحات، وبالتالي توسيع نطاق فئات المواطنين التي يتم تطعيمها، ولاسيما العاملين في القطاع السياحي والصناعي والقطاعات الاقتصادية، وذلك حرصًا من الدولة على تحقيق الاستقرار في معدلات النمو الاقتصادي خلال جائحة فيروس كورونا، حيث تُعد مصر من الدول القليلة على مستوى العالم التي شهدت تطورات اقتصادية إيجابية خلال فترة الجائحة.

أما بالنسبة للصين، فإن تعاونها مع مصر، وهي إحدى الدول النامية، في مجال لقاحات كورونا يؤكد حرصها على الوفاء بالتزامها بجعل تلك اللقاحات منفعة عامة عالمية لحماية صحة الشعوب. كما أن تعاونها مع مصر في مجال تصنيع اللقاحات يؤكد حرصها الشديد على تعزيز التعاون والتضامن مع الدول العربية والأفريقية، وفي مقدمتها مصر بشكل خاص والدول النامية بشكل عام، ومساعدتها في الحصول على اللقاحات للتغلب على الوباء في وقت مبكر.

لقد مثّل تفشي مرض (كوفيد -19) تحديًا كبيرًا لكل من مصر والصين منذ أوائل عام 2020، وهو التحدي الذي أظهرت خلاله الدولتان عزيمة وإرادة كبيرتين لمواجهته والتغلب عليه. وبتعاونهما وتضامنهما المشترك في مواجهة المرض، أظهرت كل من مصر والصين إلى أي مدى يمكن أن تصل علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة فيما بين الدولتين، والتي شهدت فصلًا جديدًا من فصولها بالتعاون في مجال تصنيع اللقاحات الذي يُعد خطوة مهمة لتوسيع التعاون الطبي والصحي بين البلدين، ولاسيما فيما يتصل بالتعاون في نقل التكنولوجيا الطبية، وصولًا إلى تعزيز جهود البلدين لبناء مجتمع صحي ذي مستقبل مشترك.

تواصل معنا

العنوان

164 ميدان التحرير شارع التحرير باب اللوق الدور السابع

رقم الهاتف

0223934250-01032678345

tahrer.tcsr@gmail.com

مواقع التواصل

شركاء النجاح