
65 عاما من التعاون بين مصر والصين – أحمد سلام
أحمد سلام – الخبير بالشأن الصين – المستشار الإعلامي الأسبق بالسفارة المصرية ببكين
في الثلاثين من مايو عام 1956، أصدرت الحكومتان المصرية والصينية بيانًا مشتركًا حول إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وقد لعبت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين دورا نموذجيا وهاماً في تنمية العلاقات الصينية مع الدول العربية والأفريقية، حيث كانت مصر أول دولة عربية وافريقية تعترف بالصين الجديدة مما فتح الباب لجمهورية الصين الشعبية للدخول الي الدول العربية والافريقية . وباستعراض العلاقات المصرية الصينية خلال أكثر من 65 عاماً ، فإننا نري تعاون وثيق وصداقة مخلصة بين دولتين ذوات حضارة،وكان لقوة العلاقات قدرة كبيرة وصلبة على مواكبة ومجابهة التحولات الدولية والإقليمية والداخلية، وتنتهج كل من مصر والصين سياسات متوافقة من حيث السعي والعمل من أجل السلام في كافة أنحاء العالم والدعوة إلى إقامة نظام دولي سياسي واقتصادي منصف وعادل قائم على احترام خصوصية كل دولة ، كما يتمسك الطرفان بمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة والسعي إلى حل النزاعات عبر الطرق السلمية ، وقد تجلت هذه السياسة في مواقف كل منهما تجاه الآخر في مختلف المحافل الدولية وخاصة في ملفات النزاعات الإقليمية والدولية وإصلاح مجلس الأمن الدولي وغيرها، ولا شك أن هناك “آفاقا واسعة” لتطوير العلاقات بين مصر والصين، حيث شهدت العلاقات طفرة في مختلف مجالات التعاون خاصة خلال السنوات السبع الماضية وفي ضوء الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين .. حيث عقد الرئيسان السيسي وشي ، تسع قمم ثنائية ، كما زار الرئيس السيسي الصين سبع مرات لحضور قمم وفعاليات دولية أهمها قمة دول العشرين في هانغتشو 2016، كما قام الرئيس الصيني شي في نفس العام بزيارة مصر ووقع الجانبين على البرنامج التنفيذي للشراكة الإستراتيجية الشاملة واتفاقات التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق ، ومشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي في القمة الثانية لمنتدى “الحزام والطريق للتعاون الدولي” بالعاصمة الصينية بكين في الفترة من 25 إلى27 أبريل 2019.نستعرض منها النماذج التالية :

** الموقف الصيني من التطورات في مصر عقب ثورة يونيو 2013:
رحبت جمهورية الصين الشعبية في 20/1/2014 بموافقة الشعب المصري على الدستور المصري الجديد الذي صدر في يناير 2014 كخطوة هامة وإيجابية في الإنتقال السياسي في مصر (حسب المتحدث باسم الخارجية الصينية) والذى عبر عن أمل الصين في أن تواصل مصر التقدم في عملية الإنتقال السياسي الشامل طبقًا لخارطة الطريق التي أعلنت عقب ثورة 30 يونيو 2013 بطريقة منظمة وأن تحقق الإستقرار الوطني والتنمية في أسرع وقت ممكن.
كما شاركت الصين في مؤتمر دعم الاقتصاد المصري الذي عقد في شرم الشيخ في مارس 2015 بوفد وزاري برئاسة وزير التجارة الصيني “قاو هو تشنغ”. وقد وقعت العديد من الشركات الصينية عدة عقود في هذا المؤتمر في مجالات الكهرباء والنقل والبنية التحتية ثم تلي ذلك العديد من اوجه التعاون مثل المساهمات الصيينة الواضحة بالعاصمة الادارية الجديدة في مصر .
** في مجال مكافحة فيروس كورونا ( كوفيد 19)
كانت مصر من أوائل الدول التى قدمت الدعم والمساندة للصين عند انتشار الوباء ، وقد دعم الجانبان بعضهما البعض، وتبادلا المعلومات والأبحاث العلمية وعارضا تسييس الوباء، وتم بالفعل الاتفاق علي انتاج لقاح كورونا في مصر، بالاشتراك مع شركة سينوفاك الصينية، والذى سيكون متاحا في أواخر يونيو القادم، ولا شك أن انتاج مصر للقاح لن يفيد مصر فقط لكنه أيضا العديد من دول افريقيا والدول العربية ، ما يعكس بشكل واضح مسؤولية البلدين في مواجهة ومكافحة الوباء.
** التعاون الاعلامي بين البلدين :
يوفر التعاون الثقافي والاعلامي سياجا فكريا للعلاقات المصرية الصينية في مجملها ويعطيها الوجه الحضاري الذي تستحقه ومن أبرز معالم التعاون الإعلامي المصري الصيني تواجد العديد من المكاتب المقيمة في مصر لعدد من الهيئات والمؤسسات الإعلامية الصينية، ومنها وكالة أنباء شينخوا، صحيفة الشعب الصينية، مجلة الصين اليوم ، والنور، ومجلة الاقتصاد، والهيرالد الاقتصادية، وإذاعة الصين الدولية، والتلفزيون المركزي الصيني CGTN ، بينما يوجد تمثيل مقيم لوكالة أنباء الشرق الأوسط في الصين ومراسل لصحيفة الاخبار المصرية ، ومكتب ثقافي وممثل اعلامي بالسفارة المصرية ببكين .
كما يرتبط عدد من المؤسسات الإعلامية بين البلدين ببروتوكولات تعاون ومنها برتوكول التعاون بين جريدتي الشعب الصينية والأهرام المصرية، وبرتوكول التعاون بين وكالتي أنباء الشرق الأوسط المصرية، وشينخوا الصينية، كما يوجد اتفاق تعاون بين مكتب الإعلام بمجلس الدولة والهيئة المصرية العامة للكتاب ، وبروتوكلات تعاون بين الهيئة العامة للاستعلامات وجمعية الصحفيين الصينيين وكذلك بين الاستعلامات وشينخوا.

** البعد الثقافي في العلاقات بين البلدين :
لا يفوتني أن اشير الي البعد الثقافي بين مصر والصين حيث أنه من أهم أبعاد علاقة الطرفين، نظراً لدورهما الحضاري في كافة الازمنة ، فالعلاقة بين الحضارتين ليست وليدة العصر الحديث بل ان لها جذور عميقة قدم التاريخ ويمثل التشابه الكبير بين الموروثات الحضارية في كل من مصر والصين أهم واعمق العوامل التي ساعدت علي تعميق وترسيخ التبادلات بين كلا البلدين ، وقد لعب طريق الحرير القديم دوراً هاماً في التبادل الثقافي وتعزيز التفاهم والصداقة والتعاون بين البلدين ذوات الحضارتين.
وقد بدأ التعاون الثقافي في القرن العشرين في مجال التعليم عندما توجهت أول بعثة تعليمية صينية الي مصر للدراسة بالأزهر الشريف عام 1931 وكان من طلاب هذه البعثة المستشرق الكبير الأستاذ محمد مكين (ما جيان) مؤسس قسم اللغة العربية بجامعة بكين والأستاذ عبد الرحمن نا تشونغ مؤسس كلية اللغة العربية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين.
وقد أهتمت مصر اهتماماً خاصة بالمبعوثين والدارسين الصينيين علي وجه الخصوص حيث أصدر ملك مصر فؤاد الأول عام 1932 مرسوما بإقامة قسم خاص لقبول المبعوثين الصينيين بالأزهر الشريف. كما أهدى أكثر من أربعمائة نسخة من نفائس الكتب الدينية إلى مدرسة تشنغدا الإسلامية بالصين، كما دأبت مصر علي أرسال اثنين من علماء الأزهر إلى الصين ليساعدا هذه المدرسة في رفع المستوى التعليمي بها.
كما أن مصر كانت أول دولة عربية وأفريقية أدخلت تدريس اللغة الصينية في جامعاتها، حيث بدأت جامعة عين شمس عام 1958 تدريس اللغة الصينية، ليصل عدد المؤسسات التعليمية المصرية التي تدرس اللغة الصينية حاليا إلى أكثر من 15 مؤسسة.
وفي هذا الشهر ( مايو 2021 ) قررت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى المصرية ، تدريس اللغة الصينية في المدارس كلغة اختيارية بداية من العام الدراسى المقبل ( 2022 ) بعدد من المدارس الرسمية للغات.

** دور مميز للشركات الصينية في مصر :
ساهمت جمهورية الصين الشعبية بخبراتها ومساعداتها المادية والفنية في تنفيذ العديد من المشروعات الهامة في مصر، مثل مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة ووسائل النقل والمدن الذكية وعلوم الفضاء وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي وغيرها.
وقد تمخض التعاون المصري- الصيني عن نتائج إيجابية عديدة، انعكست في تعاون الجانبين في تنفيذ العديد من المشروعات التنموية الكبرى في الوقت الحالي، والتي تلعب الشركات الصينية الكبرى دورا مميزا في تدشينها، ما يعزز الثقة المتبادلة بين البلدين.
ففي مجال البناء والتشييد، تقوم الشركة الصينية العامة للهندسة الإنشائية (CSCEC) ببناء منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتشمل بناء أطول ناطحة سحاب في أفريقيا (البرج الأيقوني).

** أهمية مبادرة “الحزام والطريق” لمصر
ثمة حزمة من الاعتبارات التي جعلت مصر تولي اهتماما كبيرا بالمبادرة، يأتي على رأسها موقعها الاستراتيجي الهام ووجود قناة السويس كممر مائي حيوي بها، يمثل نقطة العبور الرئيسية بين المحيط الهندي والبحر المتوسط، ما يجعل مصر نقطة محورية في الجانب البحري من المبادرة، حيث تقع على أحد ممراتها البحرية. وكذلك ارتباط وتكامل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس مع المبادرة لربط التجارة العالمية، إذ من المخطط أن تصبح المنطقة مركزا لوجستيا عالميا. بالإضافة إلى أهمية المبادرة بالنسبة لعملية التنمية في مصر، عبر قيام العديد من الشركات الصينية الكبرى بتنفيذ مشروعات تنموية عملاقة بالتعاون مع الجانب المصري في مجالات متنوعة. كما تُعد المبادرة – عبر أدواتها المالية – آلية هامة لاجتذاب الاستثمارات الصينية إلى مصر.
وتُعد مبادرة “الحزام والطريق” قاسما مشتركا هاما في تفاعلات العلاقات المصرية – الصينية، لاسيما في أبعادها الاقتصادية والاستثمارية والتجارية ، وكانت مصر من أوائل الدول التي وقعت على اتفاق التعاون المشترك مع الصين في إطار المبادرة. ومثلت المبادرة إحدى المرتكزات الرئيسية في الخطاب الاقتصادي للدولة المصرية، بداية من تأكيد اتساقها مع استراتيجيتها لتنمية محور قناة السويس وتعظيم الاستفادة من موقع مصر الجغرافي، مرورا بارتباطها بقطاعات ومجالات حيوية ذات أولوية بالنسبة لمصر في إطار (رؤية مصر 2030) للتنمية المستدامة، وصولا إلى اتفاقها مع أولويات مصر التنموية.
** لم تقتصر مكاسب مصر جراء انضمامها للمبادرة على مساهمتها الإيجابية في عملية التنمية وحسب السفير الصيني بالقاهرة أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لمصر، وتجاوز حجم التبادل التجاري البلدين 14.5 مليار دولار وفي الربع الأول من العام الحالي بلغ 4 مليارات و180 مليون دولار أمريكي، كما بلغ حجم الاستثمارات الجديدة العام الماضي 190 مليون دولار لكي يتجاوز الإجمالي 1.2 مليار دولار، أما الاستثمارات الجديدة خلال الربع الأول من 2021 فقد بلغت 83 مليون دولار.
كما أن المشروعات الجديدة التي اتفق عليها الجانبين تضمنت بناء ستة أبراج جديدة بمدينة العلمين الجديدة، وتوطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر، وأشار السفير الصيني بالقاهرة لياو ليتشيانج، إلى أن مصر والصين وقعا اتفاق مشروع لتجميع وصناعة الأقمار الصناعية ومشروعات أخرى في الفضاء .
** الخلاصة وبمناسبة الاحتفال بمرور 65 عاماً علي العلاقات بين البلدين فلنذكر أن مصر والصين وقفتا سويا في مواقف سياسية هامة في كافة الازمنة حيث أيدت مصر جمهورية الصين الشعبية ، في كافة المحافل الدولية، وأكدت علي وحدة وأمن وسلامة الصين، وسيادتها على كامل التراب الصيني .
ونأمل ونتوقع أن تلعب الصين دورًا هاماً وضروريا في اتجاه تسوية نزاع مصر والسودان مع إثيوبيا في قضية هامة لشعبي مصر والسودان . *****